Rate this post


أكد الخبير في التكنولوجيا والأنظمة الرقمية، الأستاذ نسيم لوشاني، بأن المستهلك الجزائري قبل سنة 2016، لم يكن يثق مطلقا في المعاملات التي تتم بالفضاء الافتراضي، وكان يميل إلى كل ما هو ملموس وواقعي، كونه مخالف لعاداته، وليس محل ثقة، خاصة أن الدولة الجزائرية وقتها لم تتبن منهج الرقمنة، كأساس للتعامل والاعتماد كليا على ما هو ملموس، معتبرا أن النقلة النوعية التي حدثت مطلع سنوات 2019، جعلت ولوجه إلى العالم الافتراضي كبيرا، بل وبشكل عشوائي وفوضوي، فأصبحت كل تعاملاته تتم في هذا الفضاء، خاصة بعد أن انتهجت الدولة لسياسة جهاز كمبيوتر لكل عائلة، ومنه تبني نظام رقمنة كل القطاعات. “المساء” تحدثت إلى نسيم لوشاني، حول واقع التسوق في الفضاء الإلكتروني، وأهم التحديات التي تواجهه، خاصة بعدما أصبح الإقبال على الشراء من المواقع، يفوق التجارة الواقعية، لما تمنحه من تسهيلات تجعلك تتلقى طلبك دون التحرك من مكانك.

  بداية، في رأيك متى بدأ التوجه نحو التسويق الإلكتروني في الجزائر؟

** على الرغم من التأخر المسجل في الجزائر، مقارنة مع عديد الدول الأجنبية في استعمال التكنولوجيا، بسبب الخوف من هذا الفضاء والجهل بما فيه من امتيازات وتسهيلات، يمكن القول إن البداية الحقيقية كانت بعد صدور القانون الخاص بضرورة أن يكون في كل بيت جزائري جهاز كمبيوتر، انطلاقا من هذه المرحلة، بدأ المواطن يبحث عن ماهية الأنترنت واستعمالاتها، وبدأ النشاط عبر الأنترنت في مجالات مختلفة، مثل الدراسة والبحث والتسوق، وبدأت الحواجز الوهمية والخوف من هذا الفضاء يزول، بدليل أنه بعد سنة 2016، بدأ يشتكي المواطن من ضعف التدفق بعد زيادة الطلب على استخدام الأنترنت، بالتالي يمكن القول إنه انطلاقا من سنة 2016، بدأ الاستخدام الحقيقي للأنترنت حتى مطلع سنة 2019، بعدما انطلق الحراك المبارك الذي كانت تغطيته افتراضية، وفتحت مجالا للتسوق عبر هذا الفضاء، لتبلغ ذروتها خلال جائحة “كورونا”، وما ترتب عليه من إجراءات الحجز الصحي، الذي دفع بكل المواطنين إلى التوجه نحو هذا الفضاء، للقيام بمختلف تعاملاتهم، ومنها التسوق والتسويق وممارسة التجارة.

  إذن، يمكن التأكيد بأن هوس الشراء والتسوق في الفضاء الأزرق بدأ بعد الجائحة؟

❊❊ حقيقة، في الجزائر كانت فترة الحجر الصحي التي ترتبت على جائحة “كورونا”، من أهم العوامل التي أزاحت، إن صح التعبير، الخوف من الولوج إلى هذا العالم، وأكثر من ذلك، حتى شركة” فيسبوك”، بعدما أصبح يتم تدول المعاملات بهذا الفضاء، استحدثت منصة جديدة للتسويق والتسوق، وكانت خطوة جد ذكية، ولعل الذي لم ينتبه له الأغلبية، أن التعامل بالهاتف ارتفعت تكاليفه خلال الجائحة، الأمر الذي شجع أكثر فأكثر على التعامل بالفضاء الافتراضي، خاصة أن فترة الجائحة استمرت لأكثر من عامين، وكان من نتائجها أن خلقت جيلا جديدا، لا يعرف كيف يتعامل عبر الواقع الحقيقي، خاصة من فئة الشباب الذين توجهوا إلى ممارسة التجارة عبر هذا الفضاء، أمام  التسهيلات التي تقدمها، كما أنها تعفي المسوق من أي إجراءات  إدارية، فيمكنه فتح صفحة بكل سهولة والترويج لمنتجه، والبحث عن زبائن والاعتماد على خدمة التوصيل لإرضاء الزبون.

❊ ما هي تداعيات الإقبال الكبير على التسوق والتسويق عبر الفضاء الافتراضي؟

❊❊ التدفق الكبير للمواطنين على التسوق في هذا الفضاء، قابله فتح الكثير من الصفحات للترويج لمنتجات والبيع، مع ضمان خدمة التوصيل، كل هذه العوامل شجعت على تفشي ما يسمى بالتجارة الفوضوية في العالم الافتراضي، حيث أصبح لدينا صفحات وهمية تبيع منتجها من دون أي ضمانات، وحتى التجارة العالمية، رغم أنها وضعت قوانين لتعرف هذا النوع من التجارة، إلا أنها لم تأت باليات الحماية، والنتيجة كانت تفشي عمليات النصب  والاحتيال عبر صفحات وهمية، الأمر الذي ساهم في تفشي ـ إن صح التعبيرـ  نوع من الفوضى في عمليات التسويق والتسوق في الجزائر.

❊ ألم يتم استحداث قوانين للحماية بعد انتشار الصفحات الوهمية؟

❊❊ في الواقع كانت هناك قوانين تم استحداثها بعد التوجه الكبير لاستخدام الأنترنت في المعاملات التجارية، غير أن الإشكال كان في أن القوانين المستحدثة لم تكن على يد خبراء في الجانب الرقمي، إنما أوكلت المهمة إلى خبراء في المجال الاقتصادي، الأمر الذي ترتب عليه إهمال بعض النقاط الهامة التي تؤمن الحماية لكل من يلج الفضاء الافتراضي، من أجل التسويق أو التسوق، وكان لدينا قوانين عامة غير متخصصة، ولعل أهمها: التأكيد على أن يكون هناك سجل تجاري يؤكد بأن المروج للمنتج هو صاحب مؤسسة أو شركة، المعيار الثاني عند الشراء من صفحة، لابد أن يكون فيها كل المعلومات ليسهل التواصل معها، عند وجود أي مشكل في المنتج، وأن يكون البريد الإلكتروني معتمد وغير مقلد، وأن يكون الموقع مثبت، والاطلاع على تاريخ تداول الصفحة ورأي العملاء فيها، وهنا افتح باب للحديث عن التأخر الحاصل، والذي عمق هوة تفشي الصفحات الوهمية، والمتمثل في غياب المنصات التي تقيم مثل هذه الصفحات بالفضاء الافتراضي، على غرار ما يحدث في الدول المتقدمة، التي عززت الثقة وفرضت نوعا من الرقابة على مثل هؤلاء المسوقين.

❊ كيف نصف التسوق الإلكتروني في الجزائر؟

❊❊ ما يمكن التأكيد عليه، أن التسوق والتسويق الإلكتروني عندنا، يقوم على بعض المفاهيم، منها الربح السريع، غياب ثقافة التأسيس لصفحة قانونية تستجيب لكل المعايير المطلوبة، لبناء ثقة حقيقية مع مستهلك، إلى جانب التهرب الضريبي وغياب التشجيع من الناحية القانونية، لحمل المسوقين عبر الفضاء الافتراضي من أجل العمل بطريقة نظامية، كل هذه العوامل جعلت التعامل بالفضاء الافتراضي مفتوحا، ولا يخضع لأي ضوابط وأكثر من هذا جعله يعيش حالة من الفوضى والضبابية، حيث نجد أن بعض المتعاملين سعوا لفرض بعض الخطط التسويقية، من أجل الترويج لمنتجهم بفتح أكثر من صفحة واحدة لبيع منتج واحد، الأمر الذي فتح المجال حتى لمتعاملين من تونس والمغرب للبيع باسم صفحات جزائرية، لا يمكن حتى متابعتها في حال وجود مشكل ما في المنتج، بالتالي يمكن القول بأن 50 بالمائة من غياب النظامية في التعامل الإلكتروني، شجع على الفوضى وفتح المجال واسعا للتلاعب عبر الصفحات الوهمية.

❊ ما المطلوب من المستهلك الذي يتسوق إلكترونيا؟

❊❊ إذا كانت فوضى التسويق أقرها المسوق للمنتج بنسبة 50 بالمائة، فإن المستهلك وبنسبة 50 بالمائة، ساهم في انتشارها، بسبب جهله لأبجديات التسوق في هذا الفضاء، حيث ركز المستهلك على السهولة في اقتناء المنتج أكثر من  كيفية البحث في بعض التفاصيل التي  تضمن له الحصول على منتج سليم  خالي من العيوب ، و على كيفية حماية نفسه من الوقوع ضحية لصفحات وهمية، كل هذا ساهم في انتشار ما يسمى بالفوضى غير المقننة، ولعل أبسط مثال على ذلك، شركات التوصيل التي أصبحت توفر الفاتورة لصاحب المنتج الذي لا يملك أي وثائق، لأن الغاية هي تحقيق الأرباح، الأمر الذي يتطلب، في غياب تشريعات نوعية، وجوب تكوين المواطن في مجال التسوق بالعالم الافتراضي.

❊ هل التسوق بالفضاء الافتراضي يعكس الارتقاء في التعامل بالتكنولوجيا؟

❊❊ أعتقد أنه على العكس من ذلك، الإقبال الكبير على التسوق بالفضاء الافتراضي لا يعكس تحلي المستهلك بالوعي،  والانتقال إلى استخدام التكنولوجيا كغيره من الأشخاص بالدول المتقدمة، لأنه في الحقيقية يعرف كيفية استخدام “الفايسبوك”، ولكنه يجهل المعلومات المرتبطة بهذا الفضاء، بل ويجهل حتى كيفية تسمية بعض الميزات التي يستخدمها في التسويق، ما يعكس وجود أمية تكنولوجية بحاجة لأن يتم معالجتها وتداركها، خاصة أن المستقبل يسير نحو التخلي على كل ما هو واقعي وممارسة الحياة التجارية بالفضاء الافتراضي.

  هل من كلمة أخيرة؟

** أقدم جملة من المقترحات التي، في رأيي كخبير في الرقمنة، إن تم تبيينها، من شأنها أن تخفف نوعا ما من الأمية التكنولوجية، وتجعل المستهلك على الأقل أمام هوس الشراء بالفضاء الافتراضي، قادر على حماية نفسه من الوقوع ضحية لصفحات وهمية، تتلاعب به وتختلس أمواله، ولعل أهمها: أن يتم استحداث هيئة رقابية على المواقع والصفحات،  من خلال تشجيع الشباب على خلق مثل هذه الهيئات الرقابية، لتصفية الوضع، السعي لاستحداث أرقام تعريفية خاصة لكل من يتعامل  بالتجارة الإلكترونية، ليكون المستهلك قادرا على التمييز بينا، وكذا تشجيع الشباب على العمل بطريقة قانونية بالفضاء الافتراضي، مثل التقليل من الضرائب، ومنه القضاء على الصفحات الوهمية، إلى جانب  تشجيع الشباب على فتح منصات خاصة، عوض مزاولة هذا النشاط في الفضاء الافتراضي، وأخيرا، ترغيب المواطن الجزائري حتى يتكون إلكترونيا، ويكون قادرا على التسوق في الفضاء الإلكتروني بكل ثقة، ويكون لديه وعي استهلاكي، من خلال دعم المؤسسات الخاصة لتقوم بمهمة التكوين والإشراف على دورات مجانية، على الأقل في أبجديات التكنولوجيا، مثل التسويق والتسوق وممارسة التجارة الإلكترونية.



Source link

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *